فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{هَأَنْتُمْ هَؤُلاء} خطاب للذابين مؤذن بأن تعديد جناياتهم يوجب مشافهتهم بالتوبيخ والتقريع، والجملة مبتدأ وخبر، وقوله سبحانه: {جادلتم عَنْهُمْ فِي الحياة الدنيا} جملة مبينة لوقوع أولاء خبرًا فهو بمعنى المجادلين وبه تتم الفائدة، ويجوز أن يكون أولاء إسمًا موصولًا كما هو مذهب بعض النحاة في كل اسم إشارة، و{جادلتم} صلته، فالحمل حينئذ ظاهر، والمجادلة أشد المخاصمة وأصلها من الجدل وهو شدة الفتل، ومنه قيل للصقر: أجدل والمعنى هبوا أنكم بذلتم الجهد في المخاصمة عمن أشارت إليه الأخبار في الدنيا.
{فَمَن يجادل الله عَنْهُمْ يَوْمَ القيمة} أي فمن يخاصمه سبحانه عنهم يوم لا يكتمون حديثًا ولا يغني عنهم من عذاب الله تعالى شيء {أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ} يومئذ {وَكِيلًا} أي حافظًا ومحاميًا من بأس الله تعالى وعقابه، وأصل معنى الوكيل الشخص الذي توكل الأمور له وتسند إليه، وتفسيره بالحافظ المحامي مجاز من باب استعمال الشيء في لازم معناه، و{أَمْ} هذه منقطعة كما قال السمين، وقيل: عاطفة كما نقله في «الدر المصون»، والاستفهام كما قال الكرخي: في الموضعين للنفي أي لا أحد يجادل عنهم ولا أحد يكون عليهم وكيلًا. اهـ.

.قال ابن عاشور:

قوله: {ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم} استئناف أثاره قوله: {ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم}، والمخاطب كلّ من يصلح للمخاطبة من المسلمين.
والكلام جار مجرى الفرض والتقدير، أو مجرى التعريض ببعض بني ظَفَر الذين جادلوا عن بني أبيرق.
والقول في تركيب {هأنتم هؤلاء} تقدّم في سورة [البقرة: 85] عند قوله تعالى: {ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم} وتقدّم نظيره في [آل عمران: 119] ها أنتم أولاء تحبّونهم ولا يحبّونكم.
و(أمْ) في قوله: {أمَّن يكون عليهم وكيلًا} مُنقطعة للإضراب الانتقالي.
و(مَن) استفهام مستعمل في الإنكار. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}
فالذي جادل عن ابن ابيرق كان يريد أن يبرئ ساحته أمام الناس ويدين اليهودي، وفي أنه قد جادل أمام بشر عن بشر، فهل تنتهي المسألة بهذا اليسر؟ لا؛ لأن الدنيا ليست دار جزاء. وهب أنه أفلت من العقوبة البشرية، أيفلت من عقوبة الله في الآخرة؟ لا، إذن فالذي يجادل يريد أن يعمى على قضاء الأرض، ولن يستطيع أن يعمى على قضاء الحق، ولم يجد من يجادل عن مثل هذا الخطأ يوم القيامة. وليس هذا فقط، ولكن الحق يذيل الآية: {أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} أي فمن إذن يستطيع أن يكون وكيلًا عن هؤلاء يوم القيامة؟. ونعرف أن الوكيل هو الشخص اللبق الذي يختاره بعض الناس ليكون قادرًا على إقناع من أمامه. فمن يستطيع أن يقوم بذلك العمل أمام الله؟ لا أحد. اهـ.

.من فوائد صاحب المنار في الآيات السابقة:

قال رحمه الله:
{وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتَغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ}
رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ عِكْرِمَةَ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ كَمَا نَزَلَ فِيهَا {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} [3: 140]، حِينَ بَاتُوا مُثْقَلِينَ بِالْجِرَاحِ، أَقُولُ: وَقَبْلَ آيَةِ آلِ عِمْرَانَ هَذِهِ {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [3: 139]، فَالظَّاهِرُ أَنَّ عِكْرِمَةَ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ (أُحُدٍ) رِوَايَةً عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاسْتَنْبَطَ مِنْ مُوَافَقَةِ مَعْنَى الْآيَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِ تَفْسِيرِهَا لِآيَةِ آلِ عِمْرَانَ أَنَّهَا نَزَلَتْ مِثْلَهَا فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ ثُمَّ جَاءَ الْجَلَالُ فَنَقَلَ رَأْيَ عِكْرِمَةَ بِالْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ عَزْوٍ فَأَخْطَأَ فِي تَصْوِيرِهِ إِذْ قَالَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ «لَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم طَائِفَةً فِي طَلَبِ أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ لَمَّا رَجَعُوا مِنْ أُحُدٍ فَشَكُوا الْجِرَاحَاتِ» وَقَدْ رَدَّ قَوْلَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي الدَّرْسِ فَقَالَ: الْمَعْرُوفُ فِي الْقِصَّةِ أَنَّ الصَّحَابَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- كَانُوا بَعْدَ غَزْوَةِ أُحُدٍ يَرْغَبُونَ اقْتِفَاءَ أَثَرِ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى إِثْقَالِهِمْ بِالْجِرَاحِ، وَلَا حَاجَةَ فِي فَهْمِ الْآيَةِ إِلَى مَا ذَكَرَ بَلْ هُوَ مُنَافٍ لِلْأُسْلُوبِ الْبَلِيغِ إِذِ الْقِصَّةُ ذُكِرَتْ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ تَامَّةً، وَهَذِهِ جَاءَتْ فِي سِيَاقِ أَحْكَامٍ أُخْرَى.
ثُمَّ قَالَ: كَانَ الْكَلَامُ فِيمَا سَبَقَ فِي شَأْنِ الْحَرْبِ وَمَا يَقَعُ فِيهَا وَبَيَانُ كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ فِي أَثْنَائِهَا وَمَا يُرَاعَى فِيهَا إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ مُتَأَهِّبًا لِلْحَرْبِ مِنَ الْيَقَظَةِ وَأَخْذِ الْحَذَرِ وَحَمْلِ السِّلَاحِ فِي أَثْنَائِهَا، وَبَيَّنَ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي هَذَا السِّيَاقِ شِدَّةَ عَدَاوَةِ الْكُفَّارِ لَهُمْ وَتَرَبُّصِهِمْ غَفْلَتَهُمْ وَإِهْمَالَهُمْ لِيُوقِعُوا بِهِمْ، بَعْدَ هَذَا نَهَى عَنِ الضَّعْفِ فِي لِقَائِهِمْ، وَأَقَامَ الْحُجَّةَ عَلَى كَوْنِ الْمُشْرِكِينَ أَجْدَرَ بِالْخَوْفِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْقِتَالِ وَالِاسْتِعْدَادِ لَهُ مِنَ الْأَلَمِ وَالْمَشَقَّةِ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ، وَيَمْتَازُ الْمُؤْمِنُ بِأَنَّ عِنْدَهُ مِنَ الرَّجَاءِ بِاللهِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْكَافِرِ، فَهُوَ يَرْجُو مِنْهُ النَّصْرَ الَّذِي وَعَدَ بِهِ، وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إِنْجَازِ وَعْدِهِ، وَيَرْجُو ثَوَابَ الْآخِرَةِ عَلَى جِهَادِهِ لِأَنَّهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَقُوَّةُ الرَّجَاءِ تُخَفِّفُ كُلَّ أَلَمٍ وَرُبَّمَا تُذْهِلُ الْإِنْسَانَ عَنْهُ وَتُنْسِيهِ إِيَّاهُ. اهـ.
أَقُولُ: فَالْآيَةُ تُفَسَّرُ هَكَذَا {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ} أَيْ: عَلَيْكُمْ بِالْعَزِيمَةِ وَعُلُوِّ الْهِمَّةِ مَعَ أَخْذِ الْحَذَرِ وَالِاسْتِعْدَادِ حَتَّى لَا يُلِمَّ بِكُمُ الْوَهْنُ- وَهُوَ الضَّعْفُ مُطْلَقًا أَوْ فِي الْخَلْقِ أَوِ الْخُلُقِ كَمَا قَالَ الرَّاغِبُ فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ نَاصَبُوكُمُ الْعَدَاوَةَ أَيْ طَلَبِهِمْ، فَهُوَ أَمْرٌ بِالْهُجُومِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الْأَمْرِ بِأَخْذِ الْحَذَرِ وَحَمْلِ السِّلَاحِ عِنْدَ أَدَائِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يَلْتَزِمُ الدِّفَاعَ فِي الْحَرْبِ تَضْعُفُ نَفْسُهُ وَتَهِنُ عَزِيمَتُهُ، وَالَّذِي يُوَطِّنُ نَفْسَهُ عَلَى الْمُهَاجَمَةِ تَعْلُو هِمَّتُهُ، وَتَشْتَدُّ عَزِيمَتُهُ، فَالنَّهْيُ عَنِ الْوَهَنِ نَهْيٌ عَنْ سَبَبِهِ، وَأَمْرٌ بِالْأَعْمَالِ الَّتِي تُضَادُّهُ، فَتَحُولُ دُونَ عُرُوضِهِ {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ}؛ لِأَنَّهُمْ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، يَعْرِضُ لَهُمْ مِنَ الْوَجَعِ وَالْأَلَمِ مِثْلُ مَا يَعْرِضُ لَكُمْ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ شَأْنِ الْأَجْسَامِ الْحَيَّةِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ {وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لَا يَرْجُونَ} لِأَنَّكُمْ تَعْلَمُونَ مِنَ اللهِ مَا لَا يَعْلَمُونَ، وَتَخُصُّونَهُ بِالْعِبَادَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ وَهُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ، وَقَدْ وَعَدَكُمُ اللهُ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ النَّصْرَ أَوِ الْجَنَّةَ بِالشَّهَادَةِ إِذَا كُنْتُمْ لِلْحَقِّ تَنْصُرُونَ، وَعَنِ الْحَقِيقَةِ تُدَافِعُونَ، فَهَذَا التَّوْحِيدُ فِي الْإِيمَانِ، وَالْوَعْدِ مِنَ الرَّحْمَنِ هُمَا مَدْعَاةُ الْأَمَلِ وَالرَّجَاءِ، وَمَنْفَاةُ الْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ، وَالرَّجَاءُ يَبْعَثُ الْقُوَّةَ، وَيُضَاعِفُ الْعَزِيمَةَ، فَيَدْأَبُ صَاحِبُهُ عَلَى عَمَلِهِ بِالصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ، وَالْيَأْسُ يُمِيتُ الْهِمَّةَ، وَيُضْعِفُ الْعَزِيمَةَ، فَيَغْلِبُ عَلَى صَاحِبِهِ الْجَزِعُ وَالْفُتُورُ، فَإِذَا اسْتَوَيْتُمْ مَعَهُمْ فِي آلَامِ الْأَبْدَانِ، فَقَدْ فَضَلْتُمُوهُمْ بِقُوَّةِ الْوِجْدَانِ، وَجُرْأَةِ الْجَنَانِ، وَالثِّقَةِ بِحُسْنِ الْعَاقِبَةِ، فَأَنْتُمْ إِذَنْ أَجْدَرُ بِالْمُهَاجَمَةِ، فَلَا تَهِنُوا بِالْتِزَامِ خُطَّةِ الْمُدَافَعَةِ، {وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} وَقَدْ ثَبَتَ فِي عِلْمِهِ الْمُحِيطِ، وَاقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ الْبَالِغَةُ، وَمَضَتْ سُنَّتُهُ الثَّابِتَةُ، بِأَنْ يَكُونَ النَّصْرُ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ، وَمَا دَامُوا بِهَدْيِهِ عَامِلِينَ، وَعَلَى سُنَنِهِ سَائِرِينَ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ شَأْنِ الْمُؤْمِنِينَ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونُوا مُسَاوِينَ لِلْكُفَّارِ فِي عَدَدِ الْقِتَالِ وَأَسْبَابِهِ الظَّاهِرَةِ وَهُمْ يَفْضُلُونَهُمْ بِالْقُوَى وَالْأَسْبَابِ الْبَاطِنَةِ، وَإِذَا أَقَامُوا الْإِسْلَامَ كَمَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى أَنْ يُقَامَ، فَإِنَّهُمْ يَكُونُونَ أَشَدَّ لِلْقِتَالِ اسْتِعْدَادًا، وَأَحْسَنَ نِظَامًا وَسِلَاحًا.
فَهَذِهِ الْآيَةُ بُرْهَانٌ عِلْمِيٌّ عَقْلِيٌّ عَلَى صِدْقِ وَعْدِ اللهِ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالنَّصْرِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ قَبْلُ فِي التَّفْسِيرِ وَغَيْرِ التَّفْسِيرِ مِنْ مَبَاحِثِ الْمَنَارِ، وَنَقَلْنَا فِي الْكَلَامِ عَلَى حَرْبِ الْإِنْكِلِيزِ لِأَهْلِ الْتِرَنْسِفَالِ اعْتِرَافَ الْأُورُبِّيِّينَ بِكَوْنِ الْإِيمَانِ مِنْ أَسْبَابِ النَّصْرِ فِي الْحَرْبِ، فَمَا بَالُ الْمُسْلِمِينَ فِي أَكْثَرِ الْبِلَادِ لَا يُحَاسِبُونَ أَنْفُسَهُمْ بِعَرْضِهَا عَلَى الْقُرْآنِ، وَالنَّظَرِ فِيمَا بَيْنَهُ مِنْ مَزَايَا الْإِيمَانِ!؟
{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}.
رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمَا عَنْ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَ: كَانَ أَهْلُ بَيْتٍ مِنَّا يُقَالُ لَهُمْ بَنُو أُبَيْرِقٍ بِشْرٌ وَبَشِيرٌ وَمُبَشِّرٌ وَكَانَ بَشِيرٌ رَجُلًا مُنَافِقًا يَقُولُ الشِّعْرَ يَهْجُو بِهِ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ ثُمَّ يَنْحَلُهُ بَعْضُ الْعَرَبِ يَقُولُ: قَالَ فَلَانٌ كَذَا، وَكَانُوا أَهْلَ بَيْتِ حَاجَةٍ وَفَاقَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، وَكَانَ النَّاسُ إِنَّمَا طَعَامُهُمْ بِالْمَدِينَةِ التَّمْرُ وَالشَّعِيرُ، فَابْتَاعَ عَمِّي رَفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ حِمْلًا مِنَ الدَّرْمَكِ فَجَعَلَهُ فِي مَشْرَبَةٍ لَهُ فِيهَا سِلَاحٌ وَدِرْعٌ وَسَيْفٌ، فَعَدَى عَلَيْهِ مِنْ تَحْتُ فَنَقَبْتُ الْمَشْرَبَةَ وَأَخَذَ الطَّعَامَ وَالسِّلَاحَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَانِي عَمِّي رَفَاعَةُ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي إِنَّهُ قَدْ عُدِيَ عَلَيْنَا فِي لَيْلَتِنَا هَذِهِ فَنُقِبَتْ مَشْرَبَتُنَا وَذُهِبَ بِطَعَامِنَا وَسِلَاحِنَا، فَتَجَسَّسْنَا فِي الدَّارِ وَسَأَلْنَا فَقِيلَ لَنَا قَدْ رَأَيْنَا بَنِي أُبَيْرِقٍ اسْتَوْقَدُوا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَلَا نَرَى فِيمَا نَرَى إِلَّا عَلَى بَعْضِ طَعَامِكُمْ، فَقَالَ بَنُو أُبَيْرِقٍ: وَنَحْنُ نَسْأَلُ فِي الدَّارِ، وَاللهِ مَا نَرَى صَاحِبَكُمْ إِلَّا لَبِيدَ بْنَ سَهْلٍ، رَجُلٌ مِنَّا لَهُ صَلَاحٌ وَإِسْلَامٌ، فَلَمَّا سَمِعَ لَبِيَدٌ اخْتَرَطَ سَيْفَهُ وَقَالَ: أَنَا أَسْرِقُ؟ وَاللهِ لَيُخَالِطَنَّكُمْ هَذَا السَّيْفُ أَوْ لَتُبَيِّنُنَّ هَذِهِ السَّرِقَةَ، قَالُوا: إِلَيْكَ عَنَّا أَيُّهَا الرَّجُلُ فَمَا أَنْتَ بِصَاحِبِهَا، فَسَأَلْنَا فِي الدَّارِ حَتَّى لَمْ نَشُكُّ أَنَّهُمْ أَصْحَابُهَا، فَقَالَ لِي عُمَرُ: يَا ابْنَ أَخِي لَوْ أَتَيْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتَ ذَلِكَ لَهُ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَهْلُ بَيْتٍ مِنَّا أَهْلُ جَفَاءٍ عَمَدُوا إِلَى عَمِّي فَنَقَبُوا مَشْرَبَةً لَهُ وَأَخَذُوا سِلَاحَهُ وَطَعَامَهُ فَلْيَرُدُّوا عَلَيْنَا سِلَاحَنَا وَأَمَّا الطَّعَامُ فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَأَنْظُرُ فِي ذَلِكَ، فَلَمَّا سَمِعَ بَنُو أُبَيْرِقٍ أَتَوْا رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أُسَيْرُ بْنُ عُرْوَةَ فَكَلَّمُوهُ فِي ذَلِكَ فَاجْتَمَعَ فِي ذَلِكَ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ: إِنَّ قَتَادَةَ بْنَ النُّعْمَانِ وَعَمَّهُ عَمَدَا إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ مِنَّا أَهْلِ إِسْلَامٍ وَصَلَاحٍ يَرْمُونَهُمْ بِالسَّرِقَةِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا ثَبْتٍ.
قَالَ قَتَادَةُ: فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: عَمَدْتَ إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ ذُكِرَ مِنْهُمْ إِسْلَامٌ وَصَلَاحٌ تَرْمِيهِمْ بِالسَّرِقَةِ عَلَى غَيْرِ ثَبْتٍ وَبَيِّنَةٍ؟ فَرَجَعْتُ فَأَخْبَرْتُ عَمِّي فَقَالَ: اللهُ الْمُسْتَعَانُ، فَلَمْ نَلْبَثْ أَنْ نَزَلَ الْقُرْآنُ: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا}، بَنِي أُبَيْرِقٍ {وَاسْتَغْفِرِ اللهَ}، أَيْ: مِمَّا قُلْتَ لِقَتَادَةَ إِلَى قَوْلِهِ: {عَظِيمًا} فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ أَتَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالسِّلَاحِ فَرَدَّهُ إِلَى رِفَاعَةَ وَلَحِقَ بَشِيرٌ بِالْمُشْرِكِينَ فَنَزَلَ عَلَى سُلَافَةَ بِنْتِ سَعْدٍ فَأَنزل الله: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِمَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى} [4: 115]، إِلَى قَوْلِهِ: {ضَلَالًا بَعِيدًا} [4: 116]، قَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ بِسَنَدِهِ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ: عَدَا بَشِيرُ بْنُ الْحَارِثِ عَلَى عَلِيَّةِ رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ عَمِّ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ فَنَقَبَهَا مِنْ ظَهْرِهَا وَأَخَذَ طَعَامًا لَهُ وَدِرْعَيْنِ بِأَدَاتِهِمَا فَأَتَى قَتَادَةُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَدَعَا بَشِيرًا فَسَأَلَهُ فَأَنْكَرَ وَرَمَى بِذَلِكَ لَبِيدَ بْنَ سَهْلٍ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الدَّارِ ذَا حَسَبٍ وَنَسَبٍ فَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِتَكْذِيبِ بَشِيرٍ وَبَرَاءَةِ لَبِيَدٍ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ الْآيَاتِ، انْتَهَى مِنْ لُبَابِ النُّقُولِ.